تعدُّ الثقافة من مقومات وحدة الشعب الواحد ومن أرقى أشكال التخاطب بين أفرادها من جهة ومن أكثر أدوات التواصل أهميّة بين الأمم والحضارات من جهة أخرى , كما شأنها تمثل المنبر المبدع الذي يسهم بشكل كبير في إبراز سمات كل مجتمع من المجتمعات البشرية بكل ما يحمله من طبيعة ينفرد بها , وتحمل من الوضوح ما يؤهلها لأن تكون بحق المرآة التي تعكس واقع الحياة بكل ما تحتويها من مكوّنات , معتمدةً على التعبير عن الأفكار والطموحات بالتقاط الصور البديعة وبانتقاء الكلمات الجميلة , التي تشغل كل ما يتصل بالإنسان من مشاعر وسلوكيات , كما أن التنوّع الثقافي يسهم إلى حدٍ كبير في إغناء المجتمعات البشرية وفي إضفاء الصفة المتفرّدة لها والطفولة باعتبارها أهم المراحل في حياة الإنسان والفترة ذات الأكثر تأثيراً لمجمل سلوكياته مستقبلاً , كما أن هذا الينبوع الإنساني هو أهم الثروات التي تملكها الشعوب , ولأن الطفل يعيش في عالمه الخاص به ويتميّز بلغته وسلوكه المختلف عمّا يملكه الكبار كان لابدّ من خلق المناخ الملائم وتهيئة العوامل والأسباب التي تدفع إلى بناء الشخصية المتكاملة جسدياً وانفعالياً واجتماعياً لأن أصحاب الشخصيات المتكاملة هم الذين سيفكرون بطريقة سوّية وهم الذين سيبنون بشكل سليم . وتشكّل البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل العامل الأساسي في تحديد أنماط سلوكه وتكوين أفكاره وفي صياغة نظرته الخاصة للحياة , فنمط السلوك وطريقة التفكير لا يأتيان بالفطرة وإنما يتكوّنان بالاكتساب والتعلّم . وتمثل الثقافة الطفلية أهم الأساليب التربوية التي تستطيع أن تطوّر أفكار الطفل وتوقظ في أعماقه مكنوناتها الدفينة وتفجّر طاقاتها الكامنة , فالتربية لم تعد مجرّد معلومات ومعارف بل تجاوزت هذا المفهوم لتشمل جميع الجوانب التي تمس حياة الطفل ليبقى الغاية الأسمى والثمرة المرجوّة من كل الأساليب التربوية كما يقول جون ديوي : ( الطفل هو الشمس التي تدور حولها المنظومة التربوية برمّتها ) .
ويشكّل أدب الأطفال الدعامة الأساسية للثقافة الطفلية الشاملة وإذا أردنا توضيحاً بين ثقافة الطفل وأدبه يمكننا القول أن ( الثقافة هي العملية التربوية الشاملة والمستمرة التي تبدأ مع بداية مرحلة الطفولة ترقى وتتسع كلّما ازداد الطفل في اكتساب الخبرة والمعرفة)(1) وتمثل الإطار الذي يحكم مجمل أشكال العلوم والمعرفة والفنون بمختلف أشكالها ـ الأدبية والتشكيلية ـ والعادات والتقاليد وتمتد وسائل إيصالها من الكتاب وحتى الانترنيت مروراً بالإذاعة والمتحف والمعرض. . .الخ يقول الأستاذ عبد التواب يوسف(2)في تعريف هو الأشمل لثقافة الطفل : ( ثقافة الطفل هي خليط مما يرثه من أبويه وأسرته , وما يصله من عادات وتقاليد , وما يكتسبه من معرفة وعلم , وما يتأثر به من فنون وما يمارسه منها وما يعتقد فيه ويؤمن به وما يتصف به من خلق , وما تتميز به شخصيته من ملامح وكل ما يسود في مجتمعه من أفكار وآراء وقوانين وما يشيع فيه من ثقافة عامة ) (3) .
أما أدب الأطفال فهو من الوسائل التربوية التي تعتمد على أشكال معيّنة وتهدف لتحقيق غايات محدّدة ويتخذ أساليب وقنوات وأشكالاً مختلفة كالقصة التي تمثل أهم شكل من أشكال أدب الأطفال , ذلك لانسجامها مع الطبيعة التي يحملها الطفل , ثم يأتي الشعر والتمثيلية والمقالة والرواية ولابد أن تمتاز عناصر هذه الأنواع الأدبية بالحسية أي يشاهدها أو يسمعها الطفل ( الصورة ـ الصوت ـ اللون ) ولا تنحصر أهداف هذا الأدب لمجرّد تسلية وإمتاع الطفل بل يساهم بشكل كبير في تقديم الخبرات له وفي تنمية مقدرته على التفكير والتعبير وفي زرع بذرة المهارات في نفسه وغرس القيم التربوية والسلوكية الإيجابية وتنمية شخصيته وتهذيب مكوّناتها . وإشباع حاجاته النفسية والوجدانية والاجتماعية وإرواء ظمأ الطفولة فيه في إطار بناء الشخصية المتكاملة القادرة على الانسجام , والقابلة للتطوّر , ليكون في النهاية فرداً صالحاً في مجتمعه وعنصراً بنّاءً في محيطه حيث يؤمّن هذا الأدب للطفل الحكايات المسلية فيشبّع روحه بالحوارات التي تتضمنها وتتيح له الفرصة لتذوق الرسوم الجذابة والقصائد الجميلة فيسمو بمشاعره بمحتواها الهادف ومشاهدة التمثيليات فيرتقي بسلوكه . ويعدُّ الكتاب الوسيلة المفضلة لدى الطفل , لمقدرته في التأثير على مشاعره وسلوكه , كما أنه يتيح له الاستمتاع بالمغامرات التاريخية والعلمية , وينمي ثروته اللغوية وبهذا لا يختلف أدب الأطفال عن أدب الكبار في أنواعه , وإنما يكمن اختلافه في المضامين وفي الأساليب التي يُوجه بها أما أهم ما يمكن تناوله في هذا الأدب فيمكن أن يشمل كل ما يتعلق بمحيط الطفل وما يثير تفكيره ومشاعره وقد تكون ضمن إطار اجتماعي أو علمي أو تاريخي ومن مساوئ هذا الأدب الإشارة إلى بعض الأمور التي قد تجعل النتائج عكسية كأن نذكر الموت والضحايا والدماء والأشباح(4) وإلى ما شابه ذلك من أمورٍ قد تحرم الطفل أن يعيش طفولته , وهذا النوع من الأدب الذي أقبلت عليه الشعوب منذ أكثر من قرنٍ من الزمن أدبٌ قائم بذاته وله كتّابه المستقلون ودراساته المتفردّة .
ومن أشهر كتّاب الأطفال العالميين : الأخوين غريم , وهانز كريستيان اندرسون , ومارسيل إيميه وكينجي ميازاوا و ( ج.ك رولنج ) كاتبة الطفل الأولى في العالم وصاحبة سلسلة -هاري بوتر- وعربياً : كامل الكيلاني , وعبد التواب يوسف , وزكريا تامر . . . وقد خصص العديد من كبار الكتّاب في القرن العشرين جزءً مهماً من كتاباتهم للأطفال مثل تولستوي وتشيخوف وتشارلز ديكنز وفيكتور هوغو وأوسكار وايلد(5)
يقول الدكتور ناصر الدين الأسد في ضرورة أدب الأطفال : (أدب الأطفال كالفيتامينات للفكر يحتاج عقله وخياله إلى أنواع مختلفة منه , كل نوع يغذي جانباً من تفكيره وشعوره ونواحي الخيال فيه )(6)
....................................
الهوامش :
- أدب الأطفال بين التطبيق والواقع د.عبد الله أبو هيف
- ولد في مصر عام /1927/ له أكثر من /300/ كتاب في أدب الأطفال طُبع منها 20 مليون نسخ
- تنمية ثقافة الطفل أ : عبد التواب يوسف ص/26/
- أدب الأطفال تأليف علي حمد الله
- كتاب العربي الشهري ( ثقافة الطفل العربي ) العدد /50/ ص/55/
- الموقف الأدبي العدد /400/ ص/150/ الدكتور ناصر الدين الأسد من مجلة التربية الحديثة
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
منقول